إننا نعيش في عالم مضطرب، عالم متناقض، عالم الغني والفقير، السعيد
والحزين في الوقت نفسه. وحين يكون النهار أطول من الليل في فترة معينة من العام، نجد الليل يطول ويمتد في فترات أخرى، كأن الطبيعة تريد أن تعيش في توازن ونظام. أما الناس فلا نظام ولا توازن يهيمن على حياتهم.
فكّر المصلحون في هذا العالم بحلول عديدة من أجل الوصول الى حياة أفضل، حياة يرضى عنها كل الناس، ويتمتع بها كل بشر. فكّروا في القضاء على الجهل فتقدم العلم كثيراً، ولكن مشاكله ازدادت. وفكّروا في القضاء على التأخر الفنّي فخطت الصناعة خطوات سريعة، وأنجزت ما لم يتوصل إليه الإنسان في قرون، ولكنّ هذه الإنجازات والأبحاث ساهمت في دمار البشرية بدلاً من القضاء على الفقر والأمراض والعقبات الواقفة في طريق السعادة والسلام.
وقام آخرون ليقولوا بأن المشكلة هي الخبز اليومي. نعم الجوع يفتك في الملايين، وما دام الإنسان فقيراً، ومعدته خاوية فهو عرضة لأن يقتل ويسرق ويكذب ويفعل كل ما لا تريده الشرائع والقوانين. لا يشك أحدنا بأن القضاء على الفقر هدف سام جداً، بل ومن أسمى الأهداف التي تسعى إليها الإنسانية. ولكن نظرة خاطفة إلى الشعوب الغنية، والمجتمعات التي قطعت شوطاً في هذا المضمار، نظرة خاطفة إلى هؤلاء تجعلنا نفهم بأن الغني ما يزال طامعاً وجشعاً، وأن الفقير في كثير من الحالات يعيش في سلام وطمأنينة واستقامة أفضل بكثير من أغنياء عديدين. هذا إذا لم نقل إن قلبه مملوء بالحسد والضغينة كغيره من البشر.
والسؤال الآن هو: كيف نوفّق بين الحياة المادية والروحية في هذا العالم؟ دعونا نعود إلى الإنجيل ، وإلى أقوال المسيح في هذا الموضوع بالذات.
أعتقد أن واحداً من الفصول الهامة التي دوّنت في الإنجيل هو الفصل السادس كما دوّنه متى البشير. وينقل لنا حديث المسيح عن عنايته بنا، عن عناية الله العظيمة بكل من يأتي إليه طالباً منه بإيمان وثقة وطاعة.
"لذلك أقول لكم: لا تهتموا لمعيشتكم بشأن ما تأكلون وما تشربون، ولا لأجسادكم بشأن ما تكتسون. أليست الحياة أكثر من مجرد طعام، والجسد أكثر من مجرد كساء؟ تأملوا طيور السماء: إنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع في مخازن، وأبوكم السماوي يعولها. أفلستم أنتم أفضل منها كثيرا؟ فمن منكم إذا حمل الهموم يقدر أن يطيل عمره ولو مقدار ذراع واحدة؟ ولماذا تحملون همّ الكساء؟ تأملوا زنابق الحقل كيف تنمو: إنها لا تتعب ولا تغزل، ولكني أقول لكم: حتى سليمان في قمّة مجده لم يكتس ما يعادل واحدة منها بهاء! فإن كان الله هكذا يكسو الأعشاب البرية مع أنها توجد اليوم وتطرح غداً في التنور، أفلستم أنتم، يا قليلي الإيمان، أحرى جدا بأن يكسوكم؟ فلا تحملوا الهمّ قائلين: ما عسانا نأكل؟ أو: ما عسانا نشرب؟ أو: ما عسانا نكتسي؟ فهذه الحاجات كلها تسعى إليها الأمم. فإن أباكم السماويّ يعلم حاجتكم إلى هذه كلها. أما أنتم، فاسعوا أولاً إلى ملكوت الله وبرّ الله، فتزاد لكم هذه كلها. لا تهتموا بأمر الغد، فإن الغد يهتم بأمر نفسه. يكفي كل يوم ما فيه من سوء."
هل تأملتم يأصدقائي قول المسيح: أما أنتم فاسعوا أولاً إلى ملكوت الله وبرّ الله، فتزاد لكم هذه كلها؟
نعم أن مفتاح القضية هو معرفة لمن نعطي المكان الأول في حياتنا. وبما أننا نعيش في عالم مادي، ولا ننفصل عنه إلا بالموت، فعلينا أن نعرف كيف نسلك، وكيف نرتّب شؤون حياتنا دون أن تكون هناك فوضى. وقصد المسيح هو الترتيب في حياتنا، لأنه إله ترتيب لا فوضى. والقاعدة تقول: اسع أولاً لإرضاء الرب والسير بحسب مشيئته، وبعد ذلك تأتي أمور المادة لوحدها دون أن يكون هناك تزاحم. تحصل المشاكل عندما يريد الإنسان أن يعبد إلهين: الله والمال، وعندما يبحث عن المادة أكثر مما يبحث عن رضى الرب. هذا الانسان لا يقدر أن يوفّق بين حياته المادية والأخرى الروحية. أما من يعطي المسيح المكان الأول في قلبه وحياته، فإنه يقدر أن يسيطر على أمور المادة دون مشكلة
اذكرونى فى صلوتكم اخوكم
مجدى تامر