هل خطر ببالك يوماً أن تسأل: ما هو البيت المسيحي؟ ما هو الفرق بين البيت المسيحي وأي بيت آخر، وما الذي يجعل البيت مسيحياً؟ واضح أن الإجابة هي: المسيح. فبدون المسيح لا توجد كلمة مسيحي. إذاً فبدون المسيح لا يمكن أن يُسمى أي شيء مسيحياً - سواء كان فرداً، أو كنيسة، أو بيتاً.
بديهي إنه لا يمكن صنع شراب الليمون بدون ليمون، ومع ذلك فما أكثر الوالدين المخلصين سليمي النية الذين يحاولون أن يبنوا بيوتاً مسيحية بدون المسيح. لقد أحضروا إلى بيوتهم كتباً مسيحية، وصوراً مسيحية، لكنهم نسوا أن هذه ليست هي المسيح. وما لم نأت بشخص المسيح إلى البيت، فلا يمكن أن نبني بيوتاً مسيحية.
إن الثقافة المسيحية، والأحاديث النقية، والسلوك المستقيم - هذه كلها ثمار الحياة المسيحية، «مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ» (مت 7: 16). لكن مهما كانت هذه الفضائل جوهرية فهي ليست إلا الثمار، وليست الشجرة نفسها. هي نتيجة الحياة المسيحية لا علتها. وإن قال أحد إن له صورة التقوى ومظاهرها فهذا يعني أنه لم يختبر قوتها.
إذن فما هو الفرق الجوهري بين أي بيت وبين البيت المسيحي؟ ما الذي يجعل البيت بيتاً مسيحياً؟ هنالك عوامل كثيرة، لكنها كلها من عمل الرب يسوع المسيح. هو وحده الذي يجعل البيت بيتاً مسيحياً.
قد يكون الأب خبيراً ماهراً في الشؤون الزوجية وذلك بكثرة الدرس. وربما تكون الزوجة قد حصلت على درجة عالية في الاقتصاد المنزلي. وقد يكون الاثنان معاً مثقَّفين في العلوم النفسية للطفل. وقد يكون في بيتهما أحدث المخترعات لتوفير الرفاهية. ومع كل هذا، فينبغي القول بأنهما إن أرادا بناء بيت مسيحي بدون المسيح فإنهما يضيعان وقتهما سدى، لأن المسيح وحده هو الذي يجعل البيت مسيحياً. المنزل الجميل والأثاث الفاخر، ومستلزمات المطبخ الحديثة - حسن أن تتوفر هذه كلها، ومع ذلك فليس شيء منها جوهرياً لإيجاد بيت مسيحي. لكن الرب يسوع وحده هو الذي يستطيع. فالبيت المسيحي يمكنه أن يستغني عن أشياء كثيرة لكنه لن يستغني عن المسيح.
ولماذا نقول كل هذا؟ نقوله لأن البيت المسيحي يبدأ هنا. فإن كنت أنت مسيحياً حقاً استطعت أن تفعل أشياء كثيرة لتجعل بيتك أكثر مسيحية. وفي الفصول التالية سوف نرى بعضاً من هذه الأشياء الكثيرة. أما إن لم تكن مسيحياً حقاً فأمامك شيء واحد، هو أن تصبح مسيحياً بالروح والحق. قبل أن يصير بيتك بيتاً مسيحياً يجب أن تكون أنت مسيحياً. قبل أن يعرف بيتك البركات التي لا يمنحها أحد سوى المسيح يجب أن تعرف أنت المسيح مانح هذه البركات. قبل أن يحل المسيح في بيتك يجب أن يحل في قلبك. قبل أن تصالح بيتك مع الله يجب أن تصطلح أنت معه.
ألا يمكن أن يكون المخلِّص الآن واقفاً على باب الأب والأم كليهما قائلاً: «هَئَنَذَا وَاقِفٌ عَلَى ٱلْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ ٱلْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي» (رؤ 3: 20)؟
إذن فلماذا لا تبدأ من البداية؟ افتح الآن باب قلبك وباب بيتك، ودع المسيح يدخل.
الفصل الرابع: رب البيت
من هو رأس البيت؟ هذا السؤال البريء في ظاهره طالما سأله الزوجان، سيما بعد زواجهما مباشرة. وهو سؤال يوجَّه عادة بلا ترو، ويقابل بلا ترو، وتُعطى عنه الإجابة بلا ترو.
قال مرة زوج شاب شارد الفكر: زوجتي تهيء الطرق، وأنا أهيء الوسائل. وقال زوج بحدة لزوجته: أنا هنا الرئيس، أليس كذلك؟ فقالت الزوجة: إن كان الرجل هو رأس البيت فالمرأة هي العنق التي تدير الرأس. ولعل هنالك بعض الحكمة في هذه الكلمة الأخيرة، فيقيناً إن وراء كل رجل فاضل امرأة أفضل.
إن السؤال جوهري، ونتائجه خطيرة. لأنه كما يسير الرأس يسير البيت. . إذا نام الراعي، أو أهمل، ضلت الخراف. إن كان أعمى يقود أعمى سقط الاثنان في حفرة. يتعذر على الكنيسة أن تتفوَّق على راعيها، ويتعذر على البيت أن يتفوق على رئيسه. فمن هو رأس بيتكم؟
لقد أوضح استفتاء أُجري بين ألف حالة زواج أن البيوت التي ترأسها الزوجة توفرت السعادة في 47٪ منها، والبيوت التي يرأسها الرجل توفرت السعادة في 61٪ منها، والبيوت التي اشترك الزوجان في قيادتها توفرت السعادة في 87٪ منها.
لعل هذه الأرقام تعطينا الإجابة. لكننا نود أن نقرر أن هنالك طريقة أفضل لم يتجه إليها الاستفتاء: هي البيوت التي يكون فيها المسيح هو الرأس. هذه لن تفشل أبداً. إن أقل عدد يتكوَّن منه البيت المسيحي ليس اثنين بل ثلاثة، وهم الرب يسوع المسيح والزوج والزوجة. والمثل الأعلى للبيت المسيحي هو هذا: «أُرِيدُ أَنْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَأْسَ كُلِّ رَجُلٍ هُوَ ٱلْمَسِيحُ. وَأَمَّا رَأْسُ ٱلْمَرْأَةِ فَهُوَ ٱلرَّجُلُ» (1كو 11: 3). وهكذا ترون أن الأمر الجوهري ليس هو أن تكون المرأة خاضعة للرجل، ولا أن يكون الرجل خاضعاً للمرأة، بل أن يكون الاثنان خاضعين للمسيح. قبل أن يرتبطا بالزواج يجب أن يكونا مرتبطين بالمسيح، فإن الزوجة لا يمكنها الخضوع للزوج خضوعاً صحيحاً إلا إذ عرفت أن تخضع للمسيح أولاً. والزوج لا يمكنه أن يوجّه زوجته إلا إذا عرف كيف يوجّهه المسيح. إن نظام الله للبيت يجب أن يكون مؤسساً على طاعة الرجل للمسيح.
كثيراً ما شُبِّه البيت بسفينة تسير في بحر الحياة. في بعض الأحيان يكون البحر هادئاً، لكنه كثيراً ما تجتاحه العواصف. والعادة أننا نستطيع أن نواجه أعنف العواصف بهذه الطريقة أو غيرها. لكن العواصف في بعض الأحيان قد تكون عنيفة جداً تهدد السفينة بالغرق. والمشكلة هي: كيف نحفظ السفينة من الغرق؟
أتذكرون الوقت الذي كان التلاميذ فيه في البحر؟ لقد هبَّت عاصفة عاتية، وكانت الأمواج تخبط السفينة حتى كادت تغرق. وكان الليل مظلماً جداً. فماذا فعلوا؟ هل حاولوا أن يصدوا العاصفة بأيديهم؟ كلا؟ إنهم وإن لم يكونوا حكماء في معظم المناسبات، لكنهم كانوا في هذه المناسبة حكماء. فقد لجأوا إلى المسيح وألقوا عليه همهم. ولما فعلوا هذا صار هدوء عظيم (مر 4: 38 و39).
أيها الوالدان، ماذا تفعل سفينتكما الصغيرة في عواصف الحياة؟ هل ليلكما مظلم؟ هل الأمواج عالية؟ هل تجاهدان لإنقاذ السفينة؟ كُفا عن كل جهاد. سلِّما القيادة للمسيح. دعوه يستلم الزمام، ثم انتظرا الهدوء. تستطيعان الإستغناء عن أفضل الأثات، وعن وسائل الراحة الحديثة، وعن أفضل سيارة، لكنكما لن تستطيعا الاستغناء عن المسيح. اجعلاه قائد سفينتكما وأنتما تعبران بحر هذه الحياة. اجعلاه رئيس بيتكما. صليا هكذا: يا يسوع يا مخلّصنا، استلم دفة حياتنا وسط البحر الهائج، فالأمواج تخبط السفينة، والصخور مختفية، لكن الإرشاد كله منك.
الفصل الخامس: الزواج والمذبح العائلي
كان يقال قديماً إن أعذب الأصوات هي أصوات أجراس الكنائس التي تُقرع عند إتمام خدمة مراسيم الزواج، معلنة حلول يوم عظيم. فأخيراً حل اليوم الذي ينتظره كل فتى وتنتظره كل فتاة ودقت أجراس الكنيسة. ويا له من يوم سعيد مبارك!
وبدأت خدمة عقد القران المهيبة الجميلة، وهي التي يتطلع إليها كل شاب وشابة، وبها يبدأ تكوين بيت جديد. وبعد انقضاء ألوف السنين على المدنية كان يُخيل للمرء أن يكون الزواج أكثر سعادة. لكن هذا الاستنتاج خاطئ مع الأسف الشديد والحزن المرير. فالرباط المقدس الذي تم في الكنيسة أمام مذبح الله صار في البيت غير مقدس. والاتحاد أصبح انقساماً والواحد صار كثيرين. وأصبح أمراً لا يؤبه له أبداً أن يفرق الإنسان ما جمعه الله، وانتشرت حالات الطلاق. وماذا تقول آخر الإحصائيات؟ هل تنتهي بالطلاق حالة أو اثنتان من كل ست زيجات؟ أم زادت النسبة كثيراً جداً؟
والمشكلة لا تنتهي بالطلاق، لكنها تبدأ به. فالطلاق لن يحل المشكلة قط، بل يترك وراءه قلوباً محطمة وبيوتاً مهدمة، ومهما مر الزمن فقد يستحيل الشفاء. وأين بدأ كل هذا؟ بدأ في البيت. فالكلمات الحلوة تحولت إلى مرة، والمحبة تحولت إلى نزاع، والوحدة تحولت إلى فُرقة، وسفينة الحياة الزوجية إذ غادرت ميناء المحبة تحطمت على صخور الخطية، وما بدأ في الكنيسة وصل إلى المحكمة، والزوجان اللذان بدأت محبتهما بجنون انتهت أخيراً بجنون، وصار كل منهما يطلب الإنصاف من الآخر.
كان الزواج قديماً مصدراً للسعادة. وكان الواحد إذا سأل: كيف أكون سعيداً؟ أتته الإجابة: تزوج. ونحن اليوم لا نحتاج إلى إجابة جديدة فقط، بل إلى سؤال جديد: كيف أكون سعيداً ولو كنت متزوجاً.
يجب ألا يتسرب اليأس لنفوسنا، لأن باب الرجاء لا يزال مفتوحاً للإجابة المطلوبة. وهي ليست جديدة، ولا معقدة. بل هي قديمة، وسهلة جداً. وهي آتية من الله، ومضمونة. ويمكن علاج المشاكل الزوجية، بما يتبعها من مآسي، هو في كلمات بسيطة: الصلاة العائلية.
نعم، هو نفس الحل القديم الذي سبق أن أشرنا إليه: الصلاة العائلية أو المذبح العائلي. هو الدواء الوحيد الذي لا غنى عنه للبيت المريض. الأدوية الأخرى تأتي وتذهب، تُجرب فترة قصيرة ثم تُهجر. أما مذبح العائلة فإنه قديم وأمين، ولن يصبح مبتذلاً قط. لكنه دواماً يقوم بمهمته خير قيام. وهذا - بعكس كل دواء آخر في البيت - لا يستخدم للعلاج فقط، بل للوقاية أيضاً. وهذا هو ما نحتاج إليه. لأن المشكلة الكبيرة ليست هي شفاء البيوت المتهدمة، بل وقايتها من أن تتهدم. فالزواج لا يبدأ بالطلاق، والطلاق لا يأتيهما فجأة، لكنه قد يبدأ بإساءة تافهة جداً، ثم يتطور الخلاف إلى أن ينتهي بالطلاق.
وأولى علامات الطلاق تظهر بفتور المحبة. وبعد ذلك تنشأ بين الزوجين المنازعات. وتدريجياً يتنافر القلبان اللذان كانا قلباً واحداً ارتبطا معاً بربط المحبة.
لكن هذه هي مجرد أعراض المرض المرعب - أي الطلاق. ونحن لا نبحث اليوم عن أعراض المرض، بل عن سبب هذه الأعراض. ما هو السبب الرئيسي للطلاق؟ ليس هو سراً غامضاً إنَّ السبب في كل حالة قد يُعزى لنقص الغذاء في البيت، فقد أهملت بعض العناصر الضرورية للحياة اليومية. لم يكن هنالك جوع إلى اللبن العقلي العديم الغش الذي هو كلمة الله (1 بط 2: 2)، ولا لعسل الصخرة (مز 81: 16)، ولا لخبز الحياة (يو 6: 35). ولأنه لم يتوفر الجوع لهذه الأطعمة الرئيسية فإنهم لم يأكلوها. كان ممكناً للمرضى أن يغذوا أجسادهم جيداً، لكنهم ماتوا جوعاً وأصبحوا بدون إله، لأن المذبح العائلي انعدم في بيوتهم. وهذا هو سبب أعراض مرض الطلاق الذي انتهى بانفصال القلبين اللذين ماتا جوعاً.
وما هو العلاج إذن؟ لا يوجد إلا علاج واحد. إن الطبيب الأعظم يدعو لاستعماله حالاً - وهو المذبح العائلي. إن كان لا يزال هنالك بصيص من المحبة فيجب أن يلجأ الزوجان للصلاة مراراً كثيرة كل يوم إن إرادا لبيتهما البقاء. يجب أن يبدأ كلاهما في الحال بتناول طعام كلمة الله؟ والعودة إلى الله لكي يرتبط قلباهما مرة أخرى برباط المحبة، ويصيرا قلباً واحداً.
هذا هو العلاج بصفة عامة. لكن هنالك علاج خاص يستخدم إذا ظهرت أعراض المرض مرة أخرى. حينما تظهر أية علامات للانتقاد، أو حينما تنشأ مشاجرات خفيفة فليكرس الزوجان وقتاً أطول للصلاة، وليرجعا إلى كتاب تشخيص المرض ليقرأا معاً ما ورد في أف 4: 32 : «وَكُونُوا لُطَفَاءَ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ، شَفُوقِينَ مُتَسَامِحِينَ كَمَا سَامَحَكُمُ ٱللّٰهُ أَيْضاً فِي ٱلْمَسِيحِ». هذه الوصفة، كما ترون، مزيج من اللطف والشفقة والتسامح. ليقرأها الزوج للزوجة، ولتقرأها الزوجة للزوج. وبعد ذلك يجب أن يجثو كل منهما حيث يطلبان من الطبيب الأعظم لتكون للدواء فاعليته.
«أَلَيْسَ بَلَسَانٌ فِي جِلْعَادَ» لشفاء البيت المريض؟ (إر 8: 22). نعم يوجد ليس فقط في بيوت جلعاد، بل في كل البيوت، حيث يعترف الزوجان بحاجتهما إلى رعاية الطبيب الأعظم الذي وحده يقدر أن يشفي القلوب المحطمة. وبَلَسانه لشفاء كل مرض في البيت هو الالتجاء كل يوم بانتظام إلى المذبح العائلي. هذا هو دواء الله لكل داء، لكل القلوب المحطمة التي كثيراً ما تنتهي بالطلاق. هذا الدواء هو وحده الذي يضمن توفر الصحة في البيت، فلا يكون فيه نقص المحبة، ولا مشاجرات مستمرة، ولا انتقادات قاسية ولا خصام ولا طلاق. إن الخطية وحدها هي علة المرض في البيت، والله وحده هو الذي يستطيع أن يحفظه من كل مرض.
وإن كان يوجد بَلَسَان كهذا لشفاء البيت المريض، فلماذا توجد بيوت كثيرة لا زالت سقيمة؟ يبدو أن الإجابة الوحيدة هي: لأن الزوجين في هذه البيوت لا يريدان استخدام الدواء.
أيها الزوجان، لا تنتظرا حتى يصبح المرض في البيت مزمناً. ليبدأ المذبح العائلي في البيت اليوم، ولتبدأ الآن التغذية بكلمة الله. أفسحا المجال لله في حياتكما العائلية. وزواجكما لن يدوم إلا إذا كانت العائلة مثلثة الأركان: الله والزوج، والزوجة. والمذبح العائلي ينبغي أن يكون في رأس المثلث حيث تجتمعان معاً. وكما هو الحال في كل مثلث: فبقدر ما يزداد الزوج والزوجة اقتراباً من الله يزدادان اقتراباً بعضهما لبعض. جربا هذا لتعرفا النتيجة.
منقووووووووووووووووووووووووووووووووووووول
من اختكم
c.t.v